سيرة القديس العظيم الأنبا مكاريوس

ولد فى10 سبتمبر 1923م الموافق 5 نسيء 1639ش في قرية أولاد يحيى بحري “الشيخ جامع” مركز دار السلام محافظة سوهاج. ولد الطفل “حلمي أيوب ميخائيل” من أبوين تقيين اسم أمه “رنة شنودة” ودرس بالمدرسة الابتدائية في القرية، ثم اشتغل بالزراعة ورعاية الأغنام.
ويحكى أخوه “عزيز أيوب” أنه في صباه كان كل يوم أحد يشارك في الاجتماع الروحي الذي تقيمه العائلة، وأنه كان الطفل الوحيد الذي يترك اللهو واللعب ويجلس وسط الرجال لسماع الإنجيل والصلاة.
ترك القرية وذهب إلى أحد أقربائه يدعى المقدس “توفيق أبسخيرون” وعرض عليه رغبته في دخول الدير فرفض، بعد ذلك ذهب هو واثنان من أقربائه “كامل عطية اللَّه، لبيب مشرقي”نحو
الجبل الكائن شرق قرية الكشح حيث كان هناك راهباً قديساً مقيماً بمغارة وقالوا له نحن نريد الرهبنة فأجابهم “لبيب وكامل” يرجعوا ويتزوجوا أما حلمي فليذهب إ
ذهب إلى دير السيدة العذراء “البراموس” العامر في سن صغير حوالي 23 سنه. طالباً للرهبنة في يوم الجمعة الموافق 7 يونيه 1946م، وترهب يوم الخميس الموافق 21 نوفمبر 1946م باسم الراهب آدم، وتتلمذ على أيادي كبار الآباء والشيوخ في البرية وخدمهم ونال بركتهم. كان محبوباً جداً لديهم، وكان مطيعاً لهم محباً للخدمة بنفسٍ راضيةٍ منسحقةٍ، وأتى عليه وقت كان يقوم فيه بأغلب خدمة الدير الصعبة. كانت تسليته وتعزيته في خدمة الآباء الشيوخ. يغسل لهم ملابسهم وينظف لهم قلاليهم ويملأ لهم الماء. يحكى أحد الآباء المعاصرين. كان زميلاً له في الرهبنة أن سيدنا المتنيح كان منظماً في حياته الروحية وفي ملبسه وحياته الخاصة وقلايته كانت نظيفة جداً، مداوماً على المزامير والميطانيات والصوم حتى المساء يومياً وكان يفطر على الخبز والكمون لمدة 12 سنة. كان لا يختلط بأحد، من عمله لقلايته ومن القلاية للكنيسة، هادئ الطباع محبوباً من الجميع. كان مثال الراهب الصامت الذي لا يتكلم إلا إذا دعي المجال إلى ذلك وكان إذا تكلم لا ينطق إلا بما يستوجبه الموضوع فقط، أما اسلوبه في الحديث فكان بسيطاً جداً ومع هذه البساطة المتناهية تجد كلامه يمس القلب، ويحس المستمع إليه أن كلامه خارج من القلب وأنه يعيش فعلاً ما يقوله.
كان يحب كثيراً الإنفراد في حجرته يستذكر دروسه ويؤدى صلواته.
كان يعيش راهباً حقيقياً في تصرفاته في كلامه حتى في مظهره الخارجي وضبط نفسه في كل شيء. كان لا يضحك إلا نادراً وفي صورة مؤدبة تليق به كراهب مثالي لا يهتم كثيراً بالأمور الدنياويه ولا حتى الضرورية منها، لأنه كراهب لا يشغل باله إلا بواجباته الرهبانية وحياته التي كرسها للمسيح.
وقد ذكر نيافته أنه في بداية رهبنته رأى رؤيا يمسك فيها بالصليب والحية النحاسية ويصلى التحليل فلما ذكرها لأب اعترافه قال له: “يعنى ياخوي هتترسم أسقف”، وكانت هذه بشارة من السماء له.
كان شديداً حازماً مدققاً يحيا حياة الالتزام بقانونه الرهباني من صلوات وميطانيات. كما كان حريصا على مداومة صلاة المزامير كلها في أوقاتها، كان كثير الدموع، شديد الانسحاق مما أعطى حياته كلها قوة البساطة الحقيقية والوداعة والعمق الروحي.
ذهب إلى كلية اللاهوت بحلوان أول أكتوبر 1948م وتخرج منها في مايو 1953م، ثم سيم قساً على يد المتنيح “الأنبا مكاريوس” أسقف الدير في يوم أحد الشعانين الموافق 2 أبريل 1950م، باسم القس “بولس البراموسي” وعين كاهناً لكنيسة الشهيد مار جرجس ببور فؤاد في أول أكتوبر 1953م، ثم نال درجة القمصية يوم الأحد 25 مارس 1956م.
وكان محبوباً جداً من جميع الشعب، وذكر نيافته أنه في تلك الفترة قرأ كمية هائلة من الكتب الكنسية المقدسة، ثم استدعاه بعد ذلك قداسة القديس البابا كيرلس السادس ليكون سكرتيراً خاصاً له، فكان محبوباً جداً لديه، وكان يدعوه أبونا بولس البسيط، ويقول له تعال: “يا مبروك”.
وكان أب اعتراف دير الشهيد أبي سيفين للراهبات بمصر القديمة وكان يصلى قبل سماعه لأي اعتراف للراهبات كي يمنحه الرب نعمة الإرشاد لكل راهبة حسب ما يناسب حياتها الروحية، فإذا قابلته مشكلة أو سؤال لم يستطع أن يعطى عنه جواباً أو إرشاداً كان في بساطة واتضاع حقيقي يقول: “أنا لا أعرف لكن اذهبي يا بنتي إلى قلايتك وصلى واتركيني هنا لأصلى لكي يرشدني اللَّه مخلصي” وبعد الصلاة كان يخبرها قائلاً: “أنا ما أعرفش حاجة ولكن ربنا أرشدني إلى هذا الرد” وبالفعل يكون هو الإرشاد الشافي.
أما إذا نسيت إحدى الراهبات أن تذكر أثناء اعترافها خطية معينة أو موضوع تحتاج فيه إلى إرشاد كان يرشده روح اللَّه الساكن فيه، فيعالج ذلك بمحبة أبوية فيذكر أمامها أنه هو أحياناً يصنع كذا أو محتاج لشيء معين، وبذلك كانت تتذكر الراهبة ما قد نسيته أو الأمر الذي تحتاج فيه إلى إرشاد.
كان أبونا بولس عظيماً في قوة روحه البسيطة المتضعة فاستنارت حياته بقوة عمل الروح القدس. فهؤلاء الذين استأمنهم اللَّه على كنوز معرفته الحقيقية يأخذون منها بخفة أرواحهم الطاهرة ليوزعوا على شعبه وغنم رعيته من ينابيع الحق إلى الأبد.
فكان لأحاديثه وتوجيهاته الأثر النافذ إلى أعماق القلب ومفارق النفس، حقـاً كانت الفضيلة التي تلمع على هامة القمص بولس البراموسي هي الإتضاع الشديد ونقاوة القلب فكان درساً حياً لجميع راهبات الدير وقدوة ومثالاً عملياً بسلوكه المتضع الوديع فكانت تشع من جميع تصرفاته التقوى الشديدة واستقامة الروح أمام الله.
وذكرت الأم إيريني رئيسة الدير في ذلك الحين أن من الأمور التي يعتز بها الدير أن أبونا بولس البراموسى هو أول كاهن صلى أول قداس على أول مذبح بالدير. كما كان آخر قداس صَلاّه نيافته بالدير في ليلة عيد الغطاس 19/1/1991م أي قبل نياحته بحوالي خمسة عشر يوماً.
كان اللَّه يشعره باحتياجات أولاده المادية الروحية:
حدثت هذه القصة حين كان القمص بولس البراموسي أب اعتراف الدير.. كانت أحوال الدير المادية غير متيسرة فلم يوجد بالدير مال لشراء الخضار، فدخلت الأم رئيسة الدير قلايتها لتصلى وتعرض الأمر على اللَّه ليدبره، وبعد قليل علمت بحضور أبونا بولس على غير عادته في ذلك اليوم وعندما قابلته بادرها بقوله: “هل الدير محتاج إلى شيء”.
وعندما استفسرت عن سبب هذا السؤال أخبرها بأن الشهيد “أبى سيفين” أعلمه بأن الدير محتاج إلى النقود واستطرد في الحديث قائلاً: “أنني بعد الانتهاء من صلاة القداس الإلهي ذَهبتُ لأستريح قليلاً قبل أن أتوجه إلى البطريركية “إذ كان حينئذ سكرتيراً خاصاً لقداسة البابا كيرلس السادس” وعندما بدأت أغمض عينيَ سمعت صوتاً يقول لي قم خذ فلوس وأذهب إلى دير أبى سيفين، فنهضت ورشمت علامة الصليب قائلاً: “هل الشيطان يحاربني” ثم أغمضت عينيَّ مرة أخرى، فسمعت ذات الصوت ثانية. فقمت وصليت الصلاة الربانية ورشمت الصليب وحاولت أن أنام، فسمعت صوت يقول لي: “أنا الشهيد أبى سيفين أقول لك قم الآن وخذ الفلوس واذهب إلى ديري بمصر القديمة”. فتأكدت أن هذا الصوت من اللَّه فقمت وأخذت المال الموجود لدَىّ بالدولاب وأتيت به. فأخبرته الأم رئيسة الدير بالأمر كله ومجدوا الرب وشهيدة البطل أبى سيفين.
وحدث أيضاً في أحد الأيام أن تقابل أبونا بولس البراموسى مع أبونا عطا اللَّه المحرقي المهتم بطباعة كتاب خدمة الشماس وفي أثناء حديثهما أبدىَ أبونا عطا اللَّه إعجابه الشديد بالفراجية التي كان يرتديها أبونا بولس، ففي الحال خلعها وقدمها له وعندما سأله أبونا عطا اللَّه عن ثمن تكلفتها أجابه: “أنه لا يريد مقابلها نقود، وإنما طلب منه أن يقدر هو ثمنها ويرسل بمقابله عدداً من كتب خدمة الشماس إلى دير أبى سيفين للراهبات” وكان فعلاً لا يوجد بالدير سوى نسخة واحدة من الكتاب تدرس فيه الراهبات جميعاً الألحان الكنسية، فجاء عدد الكتب يزيد عن عدد الراهبات بالدير بعشرة نسخ.
نال هذه النعمة على يد قداسة البابا المعظم القديس الأنبا كيرلس السادس في يوم 19 سبتمبر 1965م باسم الأنبا مكاريوس أسقفاً على إيبارشية: قنا وقوص ونقادة وقفط ودشنا والبحر الأحمر وتوابعها.
من أجل اللَّه وحباً فيه، ولمجد اسمه القدوس، ومن واقع مسئوليته كراعي وأسقف مسئول عن خلاص نفسه، ونفوس شعبه، كان لا يتأخر عن خدمة الجميع بنفس راضية غير متذمرة، شاكرة الرب كل حين طالبة معونته ونصرته وإرشاده. ومن أجل محبته الشديدة للَّه كان يجاهد لكي يرضيه بكل فكر وتصرف. وحياته الخاصة كانت استشهاداً يومياً. كان يعطى القليل من الراحة للجسد وكان يطوى الأيام طياً في السهر والنسك والجهاد والخدمة والبذل والحب والعطاء بلا حدود ولكنه كان يخفي نفسه لئلا يراه أحد أو ينظر لجهاده أو تعبه فيضيع إكليله؛ لكي لا يمدحه أحد فيتعبه شيطان المجد الباطل فكان يقول لنا دائماً: “دارى على شمعتك تقيد”. ومع هذا كله كان يشعر في داخل قلبه وأعماقه أنه مقصر في حق اللَّه وفي الخدمة، ويقول: “يعنى أنا بعمل ايه” كثيراً ما كان يبكى مثل الأطفال ويقول: “أنا مش بأصلي” بالطبع كان يقصد أنه لا يصلى كما يشتهي. ولكن حرارة وقوة الصلاة التي كان يصلى بها كانت واضحة لنا وملموسة في حياته؛ فقد روى لنا عنها المتنيح القمص صموئيل بنقادة فقال: أن الأنبا مكاريوس عندما كان يفتقد قرى الإيبارشية كان يقيم في منازل الآباء الكهنة بعد أن يتركونها له، وحدث في أحد الأيام أن ذهب أبونا للمتنيح الأنبا مكاريوس ومعه شخص آخر يريد أن يحدثه في موضوع معين، فطرقوا باب الشقة، ولم يتلقوا رداً من سيدنا، وبعد فترة فتح الكاهن باب شقته بمفتاحه الخاص ودخل ومعه هذا الشخص وجلسوا في الصالة وكان سيدنا في حجرته وبابها مُغلق، وبعد قليل سمعوا سيدنا وهو يصلى بلجاجة شديدة وبحرارة رهيبة في الصلاة، وكأنه يصارع مع شخص آخر ومن شدة حرارة الصلاة.. اهتز المكان، ففزع الأب الكاهن والشخص الذي معه، وخرجا مسرعين من الشقة، وأغلقا الباب خلفهما!
حياته كلها كانت جهاداً ودموعاً وصلاة وسهراً، وكم من ليالي قضاها ساهراً للصباح وهو يصلي. كان ينام من الساعة الثانية عشر مساءاً حتى الثانية أو الثالثة صباحاً وكثير من الأيام لم يكن ينام لحظة واحدة خاصة في ظروف مرضه الأخيرة، كان يسهر ويصلى ثم يقول: “الليلة دي مثلاً أنا نمت ساعة واحدة فقط من النهتة والتعب”، أي من تعب هبوط القلب، ولكن كل وقته كان يقضيه في الصلاة بدموع”.
وكثيراً ما طلبنا من سيدنا بإلحاح أن لا يتعب نفسه إلى هذه الدرجة خاصة في ظروفه الصحية الصعبة الأخيرة فكان يقول: “الناس تعبانه وعاوزه اللي يريحها ويعطيها كلمة، ودول بيجوا من بلاد بعيدة وهم تعبانين، ولازم الواحد يشوفهم عاوزين إيه. دول مساكين والأيام دي صعبة ولازم نريحهم” فكان هذا مسلكه ومنهجه أن يضحى بنفسه وصحته ووقته وأكله وكل ماله ليريح الآخرين.
كان الأنبا مكاريوس ممتلئاً من المحبة التي لا تنتهي المتسعة جداً وهى المستمدة من محبته للرب يسوع المسيح كانت محبته غامرة حانية بتدفق وبلا حدود، فقد كان يعطى رجاءً للخاطئ لكي يلقيه في أحضان المسيح ويوجهه إلى الاعتراف والتناول وحضور القداسات، وأهمية صلاة المزامير وقوتها. وكان دائما يقول: “إن الخطية ليس لها كبير”، وهذا معناه أن كل إنسان معرض للسقوط ولذلك ما كان يدين أحداً ولكن بأبوته وحكمته العجيبة كان يرشد النفس إلى طريق الخلاص.
كان أباً لكل نفس وكل إنسان كان يراه أنه هو له وحده فقط ويحبه هو فقط، كأنه لا يوجد أحدٌ آخر يعرفه سواه. الجميع كانوا يحبونه جداً لأنه كان يحبهم أيضاً جداً، ودائماً كان يقول لنا مثلاً وهو آية من آيات الكتاب المقدس “كَمَا فِي الْمَاءِ الْوَجْهُ لِلْوَجْهِ، كَذلِكَ قَلْبُ الإِنْسَانِ لِلإِنْسَانِ.” (أمثال27 : 19).
وكان يقول للآباء الكهنة: “الرب ينجح رسالتكم ويعينكم في الخدمة لأنها عبء ثقيل”. وكان يقول أيضاً: “إن الخدمة الناجحة هي في محبتكم بعضكم لبعض”، وهكذا فلم تكن محبته ظاهرية أو برياء ولكنها كانت من عمق القلب، لا تريد شيئاً ولا تطلب منفعة شخصية، بل هي محبة فياضة تفيض من ينبوع ممتلئ بالحب. وكان مثالاً صالحاً لنا يعلمنا بعمله أكثر بكثير جداً من الكلام أو الوعظ. كان عظة صامتة حية لنا في كل حين.
كان المتنيح القديس الأنبا مكاريوس يقول دائماً: “إن الأغصان المحملة بالأثمار منحنية لأسفل ولكن الأغصان الفارغة تنظر لأعلى.
فقد كان متضعاً في كل شيء في الداخل والخارج في كلماته وتصرفاته وفي مظهره وملبسه وفي صلاته وفي معاملاته مع الآخرين وفي إحساسه الداخلي مع نفسه ومشاعره الداخلية نحو الآخرين. دائماً يشعر أنه أقل إنسانٍ. كانت له موهبة أن يقنعك أنه أقل منك ولابد أن يخرجك من أمامه وأنت مقتنع أنك أحسن منه. وهذه الدرجة من الإتضاع لا يستطيع أي إنسان أن يقبلها عن نفسه، ولكنه كان فعلاً يشعر بهذا الشعور في داخله. وكان يقول عن نفسه: “أنا مش متعلم أنا ما أعرفش أوعظ أنا مسكين أنا ضعيف ومحتاج لرحمة ربنا يغفر لي خطيتي” وحقيقة كان هذا الكلام نابعاً من أعماقه وما كنا في يوم من الأيام نشعر أنه يرائي أو هذا كلام أو الإحساس من خارج أو ظاهري فقط وهذا بشهادة الجميع.
حينما كان يحضر القداسات ويجلس على كرسيه ليسمع عظات الآباء كان يبكى وهو متأثر جداً بكلام الآباء وكأنه كالطفل محتاج أن يتعلم من الآخرين.
وعندما يريد أن يوجه إنساناً أو يعطيه كلمة منفعة كان يتكلم معه بإتضاع شديد وهو يشعر في أعماقه أنه غير مستحق للحديث معه بالرغم انه كان يعلم عن هذا الإنسان كل شيء.
كان بسيطاً جداً في كل كلامه وفي نفس الوقت كان عميقاً جداً ويصل إلى أعماق النفس. كل أحد يسمعه يفرح ويخرج مستفيداً. عندما كان يجلس معنا ويكلمنا عن أعمال اللَّه أو عن ما يبنى نفوسنا ربما يطول الحديث في بعض الأحيان إلى أكثر من الساعة وكان كلامه يشد النفس ويجذبها ويشبعها ويرويها ويعزيها ويعلو بها إلى ما فوق ويسبيها سبياً لأنه كان يتكلم بكلام الروح الذي يبنى النفوس، وعندما يشعر إننا ننظر إليه في إنسحاق أو مديح كان يقول لنا: “أنا ما أعرفش أوعظ وأنا مش متعلم”. ليهرب من الكرامة والمديح والمجد الباطل. وعندما كان يكلمنا عن السماء والحياة الأبدية يقول: “ياليتني أستطيع أن أدخل ولو من بوابة السماء فقط وأبقى آخر الناس الموجودين فيها”.
كان يعلمنا أن أي مشكلة يتعرض لها لا يلجأ أبداً للرؤساء أو البشر إنما لله وحده كان دائماً يقول: “أنا لا أعرف أحداً سوى الرب يسوع المسيح”، ثم يصلى قداسين أو ثلاث قداسات بعد الظهر في أيام الصوم فكانت المشكلة تُحل.
أما عن صلواته الخاصة فقد كان بسيطاً وفي نفس الوقت عميقا جداً. فما كان يحس به في داخل قلبه يتكلم به مع اللَّه بدالة الحب.
كانت حياته كلها أسراراً كالكنز المخفي. وكان دائماً يقول لنا مثل: “داري على شمعتك تقيد”، فلم يكن يحب الظهور ولا يحب أن يكشف تدبيره لأحد. لا يريد أن يعلم أي أحد أي شيء عنه، بل يعمل ويخدم بهدوء وفي الخفاء حتى لا يمتدحه أحد. كثيرون ظنوا فيه أنه إنسان بسيط لا يعلم شيئاً وشكّوا فيه، وكثيرون جداً لم يدركوا الدرجة الروحية العالية التي وصل إليها، فقد كان ماهراً جداً في إخفاء فضائله لكي لا يشعر به أحد ليمتدحه فيضيع أجره. وماهراً أيضاً في إخفاء ذاته حتى في ضمائر الناس.
ومن إحسانات الرب عليه أنه كان يستجيب له في جميع طلباته وصلواته، وكان يقول لنا دائماً عن من يحبون الرب.. هذه الآية “أذنيه مصغيتان إلى طلبتهم” وعلى مدار السنوات الكثيرة في خدمة الإيبارشية والتي زادت عن ربع قرن، ما طلب من اللَّه لأي إنسان بأي طلبة، إلا واستجاب له الرب، فقد كان كالبلسم الشافي لجراح شعبه.
كانت حياته ممتلئة من الحكمة الإلهية لأنها كانت ممتلئة إلى كل ملء اللَّه.
ولقد وضع فيه كل الشعب الثقة الكاملة والطاعة العمياء له كمدبر حكيم ومرشد عاقل ومعلم واعي وقائد عطوف، لأنه كان يسبب للجميع السعادة التامة والهدوء الكامل والاطمئنان الروحي. وسر الحكمة عنده هو اعتماده أولاً وأخيراً على رب المجد ذاته فكان يقول: “أعظم شيء ممكن نعمله هو القداسات” وفعلاً كانت كل طلبات نيافته وكل طلبات الكنائس تُقضى بواسطة القداسات. كل المشاكل والاحتياجات كان يضعها أمام الذبيحة وكل الأمور كانت تتم على خير ما يرام. وفي كل قداس كان يطلب “يا رب دبر حياتي وحل بسلامك في الإيبارشية كلها”.
وعندما كان المتنيح راهباً قبل سيامته أسقفاً كان يصلي مزاميره في أوقاتها أي كل ساعة في ميعادها ولكن بعد سيامته أسقفاً تغير طقسه وكان يصليها صباحاً ومساءاً.
وذات مرة قال: “إن الإنسان الروحي لا بد أن يصلى مزاميره”، ثم أستطرد وقال: “أنا لا أقدر أن أنام تحت أي ظرف من الظروف دون أن أصلي قانون المزامير الخاص بي، ولو تكاسل الإنسان مرة واحدة إما أن الشياطين تفتك به وإما أن يدخل في برودة روحية ولا مبالاة من جهة الصلاة، ومن الصعب أن يعود للصلاة بحرارة. وفي السنين الأخيرة بدأ نظره يضعف من مرض السٌَكَّر والذاكرة تخونه من تصلب الشرايين بالمخ، فكان لا يقدر على القراءة ولا يتذكر كل المزامير، وأراد الرب أن ينقله إلى طقس آخر وهو الانطلاق في الصلاة بدون قيود وكما يمليه الروح ويقوده، ودخل في مناظر وإعلانات الرب العالية والدهش والثاؤرية.
وحدث ذات مرة أن كان الأنبا مكاريوس يفتقد شعبه بمدينة الغردقة وذهب إليه أحد الآباء الكهنة في الصباح ومعه بعض الزوار فرأوا وجهه شديد الاحمرار ومضيئاً ويشع نوراً سماوياً وعندما رأى الجميع يشخصون إليه بدهشة قال ضاحكاً: “الواحد لما يأخذ حمام ساخن وجهه بيحمر” ولكن في جلسة خاصة ذكر أنه كان يشغله موضوع معين وكان يصلي ساهراً بالليل ويبكي بشدة ويطلب من الرب أن يحل هذه المشكلة فوجد أمامه مركبة نارية وصوت الرب يقول له اركب ولا تخف فركب ووجد نفسه على سحابة في السماء عليها رب المجد فقال له: “مالك يا مكاريوس يا ابني زعلان ليه وأنا معاك” وظلا يتحدثان معاً ثم وجد نفسه في مكانه الأول بحجرته وهذا سبب احمرار وجهه بهذه الصورة.
وعندما كان المتنيح راهباً قبل سيامته أسقفاً كان يصلي مزاميره في أوقاتها أي كل ساعة في ميعادها ولكن بعد سيامته أسقفاً تغير طقسه وكان يصليها صباحاً ومساءاً.
وذات مرة قال: “إن الإنسان الروحي لا بد أن يصلى مزاميره”، ثم أستطرد وقال: “أنا لا أقدر أن أنام تحت أي ظرف من الظروف دون أن أصلي قانون المزامير الخاص بي، ولو تكاسل الإنسان مرة واحدة إما أن الشياطين تفتك به وإما أن يدخل في برودة روحية ولا مبالاة من جهة الصلاة، ومن الصعب أن يعود للصلاة بحرارة. وفي السنين الأخيرة بدأ نظره يضعف من مرض السٌَكَّر والذاكرة تخونه من تصلب الشرايين بالمخ، فكان لا يقدر على القراءة ولا يتذكر كل المزامير، وأراد الرب أن ينقله إلى طقس آخر وهو الانطلاق في الصلاة بدون قيود وكما يمليه الروح ويقوده، ودخل في مناظر وإعلانات الرب العالية والدهش والثاؤرية.
وحدث ذات مرة أن كان الأنبا مكاريوس يفتقد شعبه بمدينة الغردقة وذهب إليه أحد الآباء الكهنة في الصباح ومعه بعض الزوار فرأوا وجهه شديد الاحمرار ومضيئاً ويشع نوراً سماوياً وعندما رأى الجميع يشخصون إليه بدهشة قال ضاحكاً: “الواحد لما يأخذ حمام ساخن وجهه بيحمر” ولكن في جلسة خاصة ذكر أنه كان يشغله موضوع معين وكان يصلي ساهراً بالليل ويبكي بشدة ويطلب من الرب أن يحل هذه المشكلة فوجد أمامه مركبة نارية وصوت الرب يقول له اركب ولا تخف فركب ووجد نفسه على سحابة في السماء عليها رب المجد فقال له: “مالك يا مكاريوس يا ابني زعلان ليه وأنا معاك” وظلا يتحدثان معاً ثم وجد نفسه في مكانه الأول بحجرته وهذا سبب احمرار وجهه بهذه الصورة.
كان قديسنا رجلاً ناسكاً صواماً وهناك قول روحي: “خذ لنفسك شفاء من على مائدة الصوَّامين السهارى أولئك العمالين في الرب وانهض نفسك من هوتها فإن بين هؤلاء يتكئ الحبيب ويقدسهم محوّلاً مرارة ريقهم إلى حلاوة تفوق حد التعبير. ما يجعل السمائيين يعزونهم ويقودونهم. خذ لنفسك شفاءاً لحياتك” هنا نجد الأشخاص الصوامين لهم قدرة على شفاء النفوس كما قال الرب يسوع “إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم”. وأيضاً إن الصوم يجعل السمائيين فرحين ويحضرون الصلاة في القداسات المتأخرة كما كانوا يحضرون معه قداساته.
أما عن العطاء في حياته فكان يقول عن نفسه تعبير: “أنا عندي دكتوراه في البُخل” وكان يدَّعى أنه لا يعطى أحداً، لكن القريبين كانوا يعلمون أن له عطاء بصورة غير عادية. وعندما كان يزور الأسر في زياراته السنوية كان يقول للكاهن الذي يفتقد معه: “أعطيني فكرة عن الأسر المحتاجة، وبعدما أخرج من عندهم أعطى أنت لهم”. أي إنسان كان يعطي له بركة كان يأخذها منه، حتى من الأسر الفقيرة حتى لا يحرج أحداً ولكن بعد ذلك يترك لهم مع الآباء مبلغاً من المال بحسب احتياجاتهم أو يضعه تحت الوسادة دون أن يشعر به أحد.
وهناك قصة عن شخص َتعرض لظروف مادية صعبة وسمع به سيدنا، فأعطى له كل البركة التي جمعها في الزيارة السنوية لتلك البلدة. كان أمام الناس يجمع الأموال ولكن قلبه كان مملوءاً كله بالمحبة وعمل الرحمة.
وكان دائماً يوصى أولاده الكهنة أن يهتموا بالأسر المستورة التي تستحي أن تطلب. وكانت جميع الأموال التي يجمعها تنفق في عمارة الكنائس وبنائها وفي الرعاية الكنسية وخلافها.
من الأمور التي لاشك فيها أن أبينا الأسقف الأنبا مكاريوس كان على درجة روحانية عالية أهلته لأن يكون صديقاً للآباء السواح بل كان منهم.
كان يقول: “أن السياحة رتبة عالية وأنني اطلب من الرب أن يعطيني سنة أتوب فيها” وحينما يتكلم عن السياحة يقول: “أنا يا ابني باقول اللي سمعته بس يا ريت الواحد يتوب عن الخطية ويوصل للدرجة دي”.
كما ذكر نيافته لبعض خواصه أن السواح حينما يأتون إلى المطرانية تنفتح الأبواب تلقائياً ثم تُغلق وحينما يرحلون يفردون أياديهم على مثال الصليب ويقولون: “قدوس، قدوس، قدوس” ويطيرون في الهواء، ويكون منظرهم كالطائر الكبير الذي يفرد جناحيه وهو مضيء ولكنه لا يحرك ذراعيه. أو تحملهم قوة إلهية على هيئة مركبة نارية أو تجذبهم قوة الروح القدس الساكن في قلوبهم فيصيرون محمولين بقوة الروح القدس إلى الأماكن التي يقودهم لها الروح القدس.
وقد كان سيدنا الأنبا مكاريوس في هذه الرتبة يصلى في الكنائس الأثرية والأديرة الأثرية وأديرة السواح ويأتون هم إليه في المطرانية.
وهناك قصة يتناولها شعب الرحمانية، وذكرها المتنيح القمص متياس رزق اللَّه في ذكرى الأربعين، أنه ذات مرة كان سيدنا الأنبا مكاريوس في زيارة لقرية “فاو بحري” وكان يرافقه المتنيح أبونا عازر توما “تنيح في6/1/1973” وكان من السواح. وفي زيارة أحد المنازل سأله الأنبا مكاريوس “ماتعرفش يا أبونا عازر كام عمود في كنيسة العذراء الأثرية بأتريب؟” فقال له: “كتب التاريخ بتقول 44 عامود يا سيدنا” فسأله سيدنا: “كتب التاريخ ولا أنت صليت معانا برضه وأنا كنت شايفك وراء العمود”. وهنا صمت وبدأ بغير مجرى الحديث.
وقد ذكر المتنيح الأنبا مكاريوس عن أبونا عازر كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالرحمانية انه كان دائماً يصلي مع الآباء السواح في كنيسة أسفل كنيسة البطرسية الحالية بقنا، وكان يصلي أيضاً في كنيسة الأنبا بلامون بالقصر والصياد، وكان يصلي في كنائس كثيرة غير معروفة.
وتقـول تاسـونـي نادية بملجأ الـبنات بقـنا:
قبل نياحة الأنبا مكاريوس بحوالي ثلاث أشهر، وفي الساعة الرابعة صباحا كنا ساهرين في إعداد الطعام لبعض الزوار وكانت الكنيسة المرقسية “والتي لا يفصل بينها وبين الملجأ إلا سور فقط” مضيئة وبها نور شديد، فأخذني حب الاستطلاع “ما الذي بالكنيسة في ذلك الوقت المبكر”، فبدأت أصعد على سلم خشبي لكي أسمع الصلاة حيث جال في ذهني أن الآباء الكهنة يصلون قداساً ورأيت النور الشديد ولكني لم أسمع شيئاً وفي اليوم التالي زرت سيدنا وفيما نحن جالسين وبدون أي مناسبة نظر إلىَّ وهو يبتسم ويقول: “بلاش تتصنتي تاني.. خذي بركة وكفاية، أفرضي وقعتي وأنتِ على السلم ولا أقول لك بلاش تشوفي حاجة تاني”. فقالت له: “حاللني يا سيدنا وسوف لا أفعل ذلك ثانياً”.
وذكرت إحدى الخادمات
وهى مشرفة على بيت للمغـتربات:
أنها كانت في قلق وضيق من جهة بناتها وقالت لهم أنها لن تصلي أو تأكل معهم وتركتهم لمدة أسبوع، فجاءها سيدنا ليلاً وهو غاضب منها وقال لها: “بلاش تتركي البنات فترة لوحدهم لأن حياتهم الروحية ستفتر”. واستيقظت في الصباح وذهبت لسيدنا في اليوم التالي تسلم عليه فنظر إليها بمحبة وعطف وسألها البنات عاملين إيه فقالت له: “حاللني يا سيدنا وسوف لا أتركهم مرة أخرى”.
واقعـة أخرى يرويها الأسـتاذ/
كمال متري ببنك مصـر فـيقـول:
كان سيدنا يكلفني ببعض الأعمال بالمطرانية، ولشعوري بالرهبة وأنا موجود بمفردي في هذا المكان فقد طلبت من المرحوم عهدي جورجيوس أن يرسل لى أحد الشبان من الكنيسة ليكون معي فأحضر لي ثلاثة شبان، وعندما دخلوا المطرانية أخدوا في التنقل من مكان لآخر فمنعتهم، ولكن قام واحد منهم باللعب في ساعة الحائط، وكان ذلك اليوم بعد ظهر السبت، وكان سيدنا موجوداً بنقادة وحضر سيدنا في يوم الاثنين، وبعد خروج الضيوف دخل الشقة التي كان بها العمل وجلس بجواري وقال: “أنا يا كمال يوم السبت كنت في نقادة ونمت بعد الظهر وحلمت أنى جئت المطرانية.. مين اللي لعب في الساعة دي الأولاد دول مشفتهمش قبل كده” ثم أكمل سيدنا كلامه وقال: “حتى رياض رزق كان قاعد على الكنبة دي وما عملش حاجة”. وكانت معنا الأخت فريال فقالت لسيدنا: “وأنا عملت إيه يا سيدنا؟” فقال: “أنت ماكنتيش معاهم اللي كانت معاهم عطيات”. وفعلاً هي لم تكن موجودة معنا في هذا الوقت وإنما كانت الأخت عطيات.
وهناك واقعة أخرى ذكرها أحد الآباء:
ففي أحد الأيام جاءه الأنبا مكاريوس- أثناء حياته بالجسد- وهو بين النوم واليقظة وقال له: “ما عندكش حِل إنك تتأخر في النوم في الصباح”. وذلك لأنه أراد أن يستيقظ هذا الكاهن في الرابعة صباحاً لكي يصلى المزامير. فانزعج الأب الكاهن وذهب لسيدنا واستفسر منه عما حدث في الليلة السابقة وما إذا كان هذا الحلم من اللَّه أم من الشيطان. فقال له سيدنا: “إن الشيطان لا يستطيع أن يقول لك هكذا، وعلى العموم ربنا يحالك”. وهذا دليل على أن الذي جاء للكاهن ليلاً هو نيافة الأنبا مكاريوس سائحاً.
وذكر الأنبا مكاريوس لأحد الآباء الكهنة القريبين منه أنه كان يصلي ذات مرة منذ حوالي ثمانية سنوات – قبل نياحته – وأثناء الصلاة ذهب للأنبا دوماديوس المتنيح وصلى له لأنه كان مريضاً ومغطى بالبطاطين.
ذكرت تاماڤ إيريني
رئيسة دير الشهيد أبى سـيفـيـن بمصـر القديـمة:
أنها من واقع مسئوليتها في الرئاسة عن نفوس بناتها أنها في ذات مرة وجهت إحدى الراهبات ولكنها لم تحتمل التوجيه وبكت، فأرسلت لها الأم الرئيسة إحدى الراهبات لترشدها وتعرفها أن ما حدث هو لمصلحتها ولابد أن تتقبل أي توجيه لمنفعتها الروحية، ولكنها قالت: “أنا لن أقابل أمنا الآن لأنها إن رأتني في حالتي هذه ستحزن علىَّ وصحتها لا تحتمل هذا. بل سأذهب إليها غداً. وبالليل وهى واقفة تصلى رأت أمامها الأنبا مكاريوس – أثناء حياته بالجسد – واقفاً أمامها ورشم على ذاته بالصليب وعليها أيضاً وهو ممسك بالصليب، وقال لها: “إنتِ زعلانة ليه من أمك، صدقيني دي بتحبك وبتخاف عليكِ وكل اللي عملته من أجل خلاص نفسك وأنت لازم تطيعيها وتخضعي لها علشان ربنا يباركك. ودلوقت تروحي لها وتعملي لها ميطانية وتقولي لها سامحيني” ففرحت الراهبة جداً بمجيء سيدنا لها وأسرعت تجرى بالليل إلى الأم الرئيسة وهى تقول: “الأنبا مكاريوس جاءني”… وبسرعة عملت ميطانية لأمنا وطلبت الصفح منها، وروت لها ما حدث وكان الأنبا مكاريوس وقتها في قنا فكيف شعر بالروح؟… وكيف ذهب؟…
ذكر لـنا القـمـص عـبد القدوس بنـقادة:
أنه ذات يوم كان ذاهباً للصلاة بقرية الخطارة، ولكن بالليل جاءه الأنبا مكاريوس – أثناء حياته بالجسد – وقال له: “لا تذهب باكر للصلاة” وأستيقظ أبونا من النوم وقال في نفسه هل يعقل أن سيدنا يقول لى لا تصلى، لابد أن هذا من عدو الخير ليمنعني عن الصلاة، ولذلك سأذهب غداً وأصلي، ونام مرة ثانية، فجاء له سيدنا مرة ثانية “يا أبونا عبد القدوس أنا الأنبا مكاريوس مش الشيطان وبا أقولك بكره لا تصلي في البلد دي” فأستيقظ أبونا مرة أخرى من النوم وقال في نفسه: “هل معقول أن الشيطان يأخذ صورة الأنبا مكاريوس ويقول لي لا تصلي” فقرر أيضا أن يذهب للصلاة ونام مرة ثالثة وفي هذه المرة جاء له الأنبا مكاريوس وقال له: “ماتروحش البلد دي لأن بها مشاكل، وبلاش تصلي بكره” فأستيقظ أبونا للمرة الثالثة وقرر أيضاً أنه لابد أن يذهب للصلاة ولم يصدق أن سيدنا هو الذي يمنعه من الصلاة، وفي الصباح أثناء ذهاب أبونا إلى القرية لاقاه في منتصف الطريق أهل القرية ومنعوه أن يذهب للصلاة بهذه القرية وأعلموه أن هناك مجموعة من شعب هذه القرية ينتظرونه وسوف يؤذونه، فعاد أبونا إلى المطرانية بقنا فوجد سيدنا في انتظاره وفتح له الباب وقال له: “انت تعبت وجيت بدرى يا أبونا” فقال له أبونا: “حاللني يا سيدنا أنا حلمت أنك جيتني ثلاث مرات الليلة الماضية”. فأجابه سيدنا: “أنا كنت خايف عليك، لأن البلد دي فيها مشاكل كبيرة”!!!.
كما ذكر أحد الآباء السواح “وهو متوحد بأحد الأديرة حالياً” لأحد الشمامسة أنه كان حاضراً قداس نياحة سيدنا وذكر أن سيدنا كان دائماً يطلب أن يتنيح أثناء القداس، وذكر أيضاً أن روحة الطاهرة ظلت بالكنيسة حتى نهاية القداس، وانطلقت مع صرف ملاك الذبيحة، وأكد أن المتنيح في حياته كان يذهب له كثيراً في قلايته بالدير “سياحة” مع أن المتنيح لم يذهب لهذا الدير بالجسد.
حينما كان يصلى القداس كان دائماً يعلمنا أن الهيكل له هيبته وقدسيته ولابد أن يُحترم، وكان يقول لنا دائماً: “أن القداس بالنسبة لي هو عزائي الوحيد وفرحتي الشديدة ولا يعلم أحد بالفرح الذي أشعر به أثناء وقفتي أمام المذبح” وكان يقول أيضاً: “إن كانت هذه الفرحة التي نشعر بها هنا على الأرض بهذا الشكل، فكم تكون فرحتنا بربنا يسوع المسيح في السماء” وكان دائماً يطلب أثناء وقوفه أمام المذبح هذه الطلبات: “يا رب حل بسلامك في الإيبارشية، دبر حياتي، اغفر خطاياي بدمك الطاهر، اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك، قَوّى إيماني بك، زد محبتي لك، عمق شركتي معك بالروح، واحميني من الذات” ثم يذكر كل الذين طلبوا الصلاة من أجلهم ويطلب الرحمة لنفوس كثيرين ممن انتقلوا للسماء، وكان يقول لنا أن أروح القديسين حين نذكرهم في الترحيم يحضرون القداس بسماح من الله.
وعندما اشتد به المرض لم يثنه ذلك عن حبه الشديد وملازمته للمذبح، بل كان في السنوات الأخيرة من حياته أكثر اشتعالاً وأكثر بذلاً رغم ضعف جسده.
ولم يكن يسمع لكلام أي من الأطباء أو الآباء اللذين يمنعونه من الصلاة وكان يقول لنا: “عندما أقف على المذبح لا أريد أن أتركه أبداً، وربنا ما يحرمنيش من الصلاة حتى ولو تنيحت على المذبح وأنا بأصلي”.
وكم كنا نتعجب له كثيراً حينما نراه في بداية القداس وهو غير قادر على الوقوف والكلمات متقطعة وتخرج بصعوبة بسبب ضيق التنفس ولكن الروح نشيط، فعندما يبدأ القداس ويبسط يديه أمام المذبح ويرفع قلبه إلى اللَّه ما هي إلا لحظات ونجد الصورة قد تغيرت تماماً، وعندما نسأله في نهاية القداس: “ماذا حدث يا سيدنا؟” يجيبنا أنه كان يصلى معنا البابا كيرلس أو مار جرجس أو أبى سيفين أو مجموعه من السواح.
ويحكى أحد الآباء واقعة حدثت معه حين كان يصلى مع سيدنا بعد الظهر في صوم السيدة العذراء بكنيستها وكان سيدنا يناول الدم لضعف بصره وكان الأب الكاهن يناول الجسد. وبعد الانتهاء من مناولة الرجال ثم النساء وعندما تقدمت آخر سيده لتتناول الجسد المقدس كان المتبقي من الجسد جزئين فقط فناول أحدهما لهذه السيدة ولما ألتفت ونظر في الصينية لم يجد الجزء الأخير فاضطرب وفزع جداً وبحث عنه في كل مكان ولكنه لم يجده فنظر إلى سيدنا وهو في أشد حالات الاضطراب لكي يأخذ الحل منه فأبتسم سيدنا وقال: “لا تخف أطمئن لأنه كان موجوداً معنا أحد السواح يصلى في هذا اليوم وهو الذي تناول هذا الجزء، ومن الممكن أن ينتقل جزء من الجسد المقدس من الصينية إلى السائح”.
وذكر الأنبا مكاريوس أنه في بداية سيامته أسقفاً أثناء قيامه بصلاة القداس الإلهي أنه كان يرى الدم نازفاً من جراحات السيد المسيح في صورة الصلبوت الموجودة بالشرقية وفي السنة الأخيرة في أسبوع الآلام صرح المتنيح الأنبا مكاريوس أنه كان في كل عام ينظر الدم نازفاً من الجراحات أثناء عمل الأربعمائة ميطانية وحدثت هذه الواقعة أنه في هذه السنة أخرج منديلاً من جيبه ومسح به صورة الصلبوت بعد الأربعمائة ميطانية ومسح به وجهه وعينيه وقَبَلَهُ وقال للكاهن الواقف بجواره: “خذ بركة يا أبونا” واستطرد قائلاً: “لأنكم منعتموني في هذا العام من الصوم الإنقطاعي في أسبوع الآلام لم أتمكن من رؤية الدم النازف من الجراحات لأني كنت أرى الدم نازفاً من الجراحات كل عام من أيقونة الصلبوت بعد الأربعمائة ميطانية” وإنما قال هذا ليخفي فضائله.
وأحياناً كثيرة كان يرى المذبح يمتزج بنور سماوي غير عادى يحيط به وعلى الذبيحة وذلك لحضور رب المجد ذاته وكان أثناء خدمة القداس يصلى بكل عواطفه فكانت صلواته حية قوية تتميز بلحن سماوي عجيب يدخل إلى أعماق القلب ويسبى الفكر ويرفع النفس إلى السماء فكان يتفاعل مع الصلاة في حب شديد وانسحاق عجيب لأنه كان يرى رب المجد ماثلاً أمامه.
وكانت كل شهوته أن يتنيح أثناء القداس الإلهي، فحقق اللَّه له هذه الرغبة فبينما كان هو واقفاً ليصلى القداس يوم الأحد 3 فبراير 1991م فاضت روحة الطاهرة إلى كورة الأبكار.
كانت إيبارشيتة من أكبر الإيبارشيات، وانقسمت بعد نياحته إلى أربع إيبارشيات كبيرة وعلى الرغم من كبر هذه الإيبارشية إلا أنه كان يزورها بيتاً بيتاً على مدار السنة طوال مدة سنوات خدمته وهى خمس وعشرون عاماً لم يفتر فيها يوماً واحداً عن أن يزور كل نفس من نفوس أولاده فقد كان له ضمير حيٌ ويشعر أن أي تقصير في الخدمة هو تقصير في حق اللَّه أولاً وحق أولاده، وبالرغم من أن ظروفه الصحية الصعبة التي مر بها في سنوات خدمته الأخيرة إلا أنها لم تمنعه عن الافتقاد والخدمة والبذل والحب والعطاء حتى النفس الأخير.
من أعظم أعماله بناء كنيسة السيدة العذراء والدة الإله بقنا، له قصة عجيبة، فنيافة الأنبا مكاريوس كان دائماً يطلب من السيدة العذراء بناء كنيسة لها ليصلي بها قبل أن ينتقل من هذا العالم وأعطاه الرب سؤل قلبه وتم بناء هذه الكنيسة في حوالي خمسة عشر عاماً، وبعد أن أتم بناءها صارت من أجمل الكنائس على مستوى الإيبارشية.
مرضَ مرض الموت وأصيب بجلطة في القلب وتليف بعضلة القلب وبجلطة في الرئتين وساءت حالته الصحية جداً حتى وصل إلى النهاية، وفي أحد الأيام ذكر لنا أنه وجد نفسه واقفاً فوق السرير وجسده ممدداً على السرير وحوله مجموعة من الملائكة أتت لاستلام روحه ولكن جاءت بجوارهم السيدة العذراء وأشارت لهم أن ينتظروا ورفعت يداها إلى السماء وطلبت من الرب يسوع وقالت له: “يا ابني وإلهي لك المجد والكرامة والعظمة إن أردت؛ ابنك الأنبا مكاريوس.. هو الذي بني الكنيسة على اسمي.. وأريده أن يدشنها لى”. فذكر المتنيح انه سمع صوتاً بعيداً يقول: “”أردت””. وللحال أمرت أم النور الملاك أن يعيد الروح للجسد، وذكر الأنبا مكاريوس أن دخول الروح للجسد أصعب من خروجها ويشعر الإنسان بضيق أثناء دخول الروح للجسد وفي الحال تحسنت حالته الصحية بصورة مذهلة جداً وتم تدشين الكنيسة.
وفي أثناء التدشين ورشم كرسي الأسقف الذي كان عليه صورة لرب المجد محفورة في الخشب، صعد سيدنا إلى الكرسي ليدشنه بالميرون فشعر برهبة شديدة عند اقترابه من الصورة ورأى رب المجد تجسم من الصورة ونوراً بهياً جداً حواليه فلم يقدر أن يقترب من الكرسي أكثر من ذلك وبالكاد استطاع أن يرشم أطراف الكرسي بالميرون، وذكر نيافته أن عدداً كبيراً من القديسين بارك تدشين الكنيسة منهم العذراء القديسة مريم ومار جرجس وأبى سيفين ومار مينا والبابا كيرلس السادس وتاماڤ إيريني وبعض من السواح.
قد كانت فضيلة الاستعداد بارزة جداً في حياة الأنبا مكاريوس فقبل أن يتنيح بثلاث سنوات كلف أحد الآباء بأن يقوم بتجديد وإعداد المقبرة الخاصة بالآباء الأساقفة والموجودة تحت الهيكل البحري بالكنيسة المرقسية والموجود بها جسدي الأنبا لوكاس والأنبا كيرلس مطارنة قنا السابقين، وطلب شراء صندوق، وتم شراء الصندوق قبل نياحته بسنة، وقبل نياحته بحوالي ستة أشهر طلب استخراج ترخيص وفاه باسم الأنبا مكاريوس، باستعمال المقبرة الحالية لئلا يعترض المسئولون على دفنه في هذا المكان، وهكذا ترى أنه جهز لنفسه المقبرة والصندوق وترخيص الدفن باسمه استعداداً للرحيل.
كان نيافته يعلم بوقت انتقاله من هذا العالم وسمح بتصويره بالفيديو في هذا اليوم بالرغم من أنه كان لا يحب تصوير أو تسجيل أي شيء له وإنما إن كان يفعل ذلك فهو على مضض منه، وسأله أحد الآباء: “يا سيدنا بكره ها تصلى فين” فقال له: “في كنيسة مار مرقس وأبونا متياس هيصورني بكره” أي لحظة نياحته بالقداس. واتصلت به الأم إيريني يوم السبت صباحاً وأخبرته أنها مسافرة في اليوم التالي فقال لها: “وأنا مسافر برضه” فقالت له: “يا سيدنا مش نيافتك أنهيت زياراتك السنوية السنة دي” فأجابها: “أنا مسافر سفريه مريحة بكره”. وسأله أحد الأشخاص يوم الخميس الذي هو فصح صوم يونان: “هتصلي فين يا سيدنا الأسبوع المقبل” فأجابه: “الجمعة في الست العذراء والأحد في مار مرقس وبعدين مع أبى سيفين” وسأله أيضاً أحد الأشخاص أن يحدد له ميعاد في يوم الأحد ليناقشه في موضوع فقال له: “أنا مش ها أقابل أحد يوم الأحد”.
وروت لـنا سـيده معـروفه لـدينا:
في ثاني يوم من أيام يونان الموافق 29 يناير 1991م أتصل بي نيافة الأنبا مكاريوس وطلب منى أن أحضر له ابنة أخي ليعمدها يوم الجمعة وكان مصراً على ذلك، وكنت أنا في اندهاش شديد، وعندما تقابلت معه وقلت له: “لماذا إصرارك يا سيدنا على عمادها يوم الجمعة” فكان رده “يوم الجمعة أصلى في الست العذراء والأحد في مار مرقس وبعدين مع أبى سيفين”، ولم يخطر لنا على بال أنه سيسافر إلى السماء ويصلى هناك. وحدث أيضاً أنني كنت موجودة عند نيافته يوم 14 يناير 1991 وكان مسافر يوم الثلاثاء 15 يناير إلى القاهرة ليصلي عيد الغطاس في دير أبى سيفين فأخذت أترجاه بعدم السفر لأنه في المرة السابقة تعب في الطائرة فقال لي: “خلاص دي آخر مرة ها أسافر فيها، أسافر المرة دي وأسافر مرة تاني بعد 21 يوم ولن أسافر مرة أخرى” وقد كانت نياحته بعد 21 يوم من هذا الحديث، وفي يوم الخميس الموافق 31 يناير كنت موجودة عند نيافته في الصباح وفي المساء حدث لي شيءٍ ما، وطلبت نيافته كي أستشيره، فطلب منى الحضور.. فقلت له أنني كنت عند نيافتك في الصباح.. فقال لي: “انتِ حرة كلها يومين وها أسافر” فقد كان ما قاله.
وأتت الساعة وهو يصلى القداس الإلهي في أقدس مكان وأقدس يوم وأقدس لحظة حينما كان يقول: “يا الذي أعطى تلاميذه القديسين ورسله الأطهار في ذلك الزمان الآن أيضاً أعطنا وكـ …” وفيما كانت كلمة “كل” مال إلى الأمام على المذبح قليلاً لمدة قصيرة وسقط فجأة على الأرض، سقط وهو ممسك بيديه الجسد المقدس بعدما وضع الثلث فوق الثلثين على مثال الصليب.
وذكر لـنا نـيافة الأنـبا مـوسى أسقـف الشـباب:
انه في إحدى زياراته لأمريكا انه رأى الشريط المسجل فيه لحظة النياحة (بالسرعة البطيئة Slow motion) أنه رأى ومعه مجموعة كبيرة من الشباب الأمريكي والشباب المصري بأمريكا كف صغير أبيض نوراني، رَفَعت الجسد من أسفل المذبح فوق الصينية. وكثيرون من هؤلاء الشباب قالوا: “نحن فعلاً نؤمن بتحول القربان إلى جسد، ولكن حينما رأينا هذا الفيلم ازداد إيماننا بالأكثر”. والذي على المذبح هو جسد الرب الحقيقي وأن الرب هو الذي حفظه من السقوط على الأرض في اللحظة التي فيها فاضت روحه الطاهرة. وهو بين أرواح القديسين وأمام المذبح وهكذا كأن اللَّه تبارك اسمه أراد أن يكرم قديسه بأن تفيض روحه الطاهرة في هذه اللحظة بالذات لكي يعلن للعالم كله مقدار قداسة هذا البار الذي أخفي نفسه طوال أيام حياته على الأرض. ولكن الرب الذي قال: “أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني فيصغرون” (1صم2: 3)؛ أراد أن يكرمه.
ظل جثمانه الطاهر يوم نياحته 3/2/1991م موضوعاً أمام الهيكل والمذبح بكنيسة مار مرقس التي تنيح بها حتى منتصف الليل حيث نقل إلى كنيسة السيدة العذراء التي شيدها نيافته أثناء حياته وذلك لإقامة القداس الإلهي في حضور جسده الطاهر.
بعد القداس بدأ تشيع الجثمان الطاهر من كنيسة السيدة العذراء والدة الإله إلى الكنيسة المرقسية، حيث الصلاة على جثمان أبينا القديس الأنبا مكاريوس، وقد شارك في الصلاة أحد عشر أسقفاً من أحبار الكنيسة القبطية الأجلاء.
سلاماً إلى روح أبينا القديس الطاهر صاحب السراج المضيء الذي حينما أتى سيده وجده ساهراً فاستحق أن يسمع صوته العذب بالمكافأة الأبدية “من يغلب سأجعله عموداً في هيكل إلهي وأكتب عليه اسم إلهي وأسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة النازلة من السماء عند إلهي واسمي الجديد” (رؤ3: 12).
مع المسيح ذاك أفضل جداً، ومكانته في السماء:
حزن كل الشعب وجميع أحباؤه في الأديرة؛ من رهبان وراهبات حزناً شديداً على فراق المتنيح القديس الأنبا مكاريوس.. لمكانته العميقة في قلوب الجميع. وكانت له مكانة خاصة في قلب تاماڤ إيريني رئيسة دير الشهيد أبي سيفين؛ لأنه كان أب إعترافها، وكانت تبكي كثيراً وتقول في صلواتها: “يا رب انتَ عندك قديسين كثيرين في السماء، كان نفسنا تخلى لينا الأنبا مكاريوس هنا على الأرض لأننا نجد فيه صورتك ومحبتك وحياتك الطاهرة متجسدة بيننا”. وذات يوم كانت هذه الأم مريضة وحرارتها مرتفعة وكانت تأخذ مضاداً حيوياً كل ست ساعات ووقفت في وسط هذه الآلام لتصلى وفجأة وجدت نفسها في مكان جميل جداً ومتسع ومملوء بالسلام والفرح والخضرة ومضيء بنور سماوي جميل يقود النفس للتسبيح والشكر لربنا يسوع المسيح وإذ بها تجد سيدنا الأنبا مكاريوس مرتدياً روباً سماوياً جميلاً جداً ولابساً صليباً مرصع باللآلئ وهو يمشى بهدوء ومسبياً بالتسبيح لشخص ربنا يسوع المسيح، وإذ به يقترب إليها ويقول: “إيه رأيك في المكان ده يا أمنا” فقالت له: “جميل جداً يا سيدنا، هل هو ده مكانك؟” فأجابها نيافته: “لأ. مكاني أجمل من كده بس دي حتة فَسَحَة بأتمشى فيها، لكن مكاني أجمل من كده بكثير” واستطرد: “إيه رأيك مش هنا أحسن من الأرض؟” فقالت له: “أحسن يا سيدنا” وقال لها: “يبقى خلاص ماتبكيش تانى علىَّ” ثم قالت له: “لكن يا سيدنا هل أنا مُت بمجيئي لهذا المكان ولا إيه؟” فأجابها نيافته: “لا لم تموتي لكن ربنا يسوع المسيح سمح إنك تحضري لهذا المكان علشان تشوفيني وتتعزى وما تزعليش عليَّ”. وفجأة وجدت هذه الأم نفسها واقفة في نفس المكان تصلى كما كانت من قبل، وفي هذه الأثناء دخلت الأم الراهبة المكلفة بعلاجها الساعة العاشرة صباحاً لكي تعطيها العلاج فلم تجدها في القلاية، وبحثت عنها في كل مكان فلم تجدها فوضعت كرسي أمام باب القلاية وجلست عليه هذه الراهبة وقالت: “أشوفها ها تيجي من فين” وفي الساعة الرابعة بعد الظهر نظرت داخل القلاية فوجدتها فسألتها: “أين كنتي يا أمنا؟” فقالت: “كنت موجودة” فقالت لها: “أنا فتشت عليكِ في كل مكان في القلاية” وبعد إلحاح صرحت لها بالذي حدث وقالت: “أنا حسيت أنى أُختطفت لمدة عشر دقائق فقط” فقالت لها: “إنكِ أُختطفتي لمدة ستة ساعات” فشكرت اللَّه الذي عزاها وأخذها بالجسد ليريها مكان أبيها القديس الطاهر في السماء..
بركة صلوات أبينا القديس الطاهر الأنبا مكاريوس
وتاماڤ إيريني تكون معنا جميعاً آمين.
بعد أن وُضع جسد المتنيح في المزار الخاص به لم يغلق يوماً؛ من يوم النياحه حتى يومنا هذا. والعجب العُجاب أن جسد الإنسان الطبيعي يفسد ويتحلل بعد وفاته وتخرج منه رائحة التحلل ولكن جسد أبينا القديس والى يومنا هذا لا يخرج منه سوى رائحة المسك والطيب والروائح الزكية كأجساد الشهداء التي وضعت عليها الحنوط والأطياب، وهذه هي الأجساد التي أرضت الرب فأكرمها الرب بطهارتها وقداستها وعفتها وصلواتها ونسكها، هذه هي النفوس التي جففت دماءها بإرادتها بالنسك وكأنه استشهاد بدون سفك دم.
رسائل خاصة ورسالة للكنيسة بعـد نياحته:
تحكى السيدة (…) أنها حلمت عدة أحلام متتالية تفسيرها هو رحيل سيدنا وذلك بعد نياحته وحلمت حلماً كان فيه سيدنا جالساً على كرسي كبير ولابساً التاج مثل يوم العيد فسألته: “انت يا سيدنا ها تصلى قداس الآن؟” فقال لها: “الصلاة هنا باستمرار لا تتوقف” وبعد ذلك قال لها أنا عايزك توصلي رسالة لأبونا (…) ولأم مكاريوس فقالت له: “هي والدتك عايشه يا سيدنا” فقال لها: “يا بنتي مش عارفة فريال هي أم مكاريوس وابنها شماس هايل في الكنيسة بيرّد معايا في القداسات باستمرار” فقال لها: “قولي لها سيدنا زعل منك لكن سامحك لأنك ظللتي تصرخي طوال الطريق من كنيسة السيدة العذراء وحتى كنيسة مار مرقس” وقولي لها كمان: “روحي الكنيسة واعترفي واتناولي باستمرار حتى لا نفترق عن بعض وأثناء صلاة الترحيم في القداس اذكريني وأنا سوف أذكرك وكأنك زرتيني وأنا زرتك وسوف تشعري بوجودي بجوارك وداومي على الاعتراف والتناول لكي تصلى للمكان الذي أنا فيه ولا نفترق عن بعض. لأن الذين يعترفوا ويتناولوا لهم مكانه عظيمة مع القديسين في السماء.
والرسالة الثانية للكنيسة:
قولى لأبونا (…) “إن العظات كثرت وبقيت في الشرايط والكتب لكن أهم حاجه إنكم قربتم تيجوا كلكم، ركز في العظة على التوبة والاعتراف والتناول لأن الذين يعترفون ويتناولوا لهم مكانه عظيمة مع القديسين في السماء”.
وتكررت هذه الرسائل مرة أخرى مع شخص آخر في بلدة أخرى وفي نفس التوقيت وهو حالياً راهب بأحد الأديرة العامرة.
بركة صلوات أبينا الأسقف القديس الطاهر
الأنبا مكاريوس تشملنا جميعاً. آمين.